مدونة علم الأعصاب
5
أسباب لفهم علم الأعصاب وتطور الدماغ في الطفولة المبكرة
📅 May 2023 / 🖋 Haneen Abu-Yahia
في حوار مع "فهد الحازمي" على برنامج "إذاعة ثمانية" عند سؤاله عن سبب حماسه لدراسة الدماغ قال: " أن تسخّر حياتك ووقتك لدراسة وفهم هذا العضو يعني أن تدرس جوهر الإنسان، وسلوكه، ودوافعه، وعلاقة كل هذا بالمجتمع الذي نعيش به، الغوص في علم الأعصاب هو الغوص في فهم الإنسان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".¹ يعرف بشكل عام علم الأعصاب بأنه مجموعة من التخصصات التي تعنى بدراسة الجهاز العصبي والدماغ، وشبكات الخلايا العصبية، وبإسهاماته الضخمة في فهم وعلاج العديد من الاضطرابات والأمراض المزمنة. لكن ما يهمنا اليوم هو علاقة علم الأعصاب وعلم النفس والسلوك الإنساني، وكيف أثرت أبحاث علم الأعصاب الكثيفة على نمو الطفل والعملية التعليمية.
اتجاهًا لواقع حياة المربين والمعلمين، يقدّم علم الأعصاب السيكولوجي معلومات شاملة عن آلية عمل الجهاز العصبي والدماغ، وتأثير البيئة، والمواقف التربوية والعلاقات الاجتماعية على الطفل. تطوّر هذه المعلومات العلمية والنتائج البحثية طرق تفكيرنا واتجاهنا في الحكم على سلوكيات الطفل، وتمكِننا من فهم أنفسنا وفهم وتقبُل الطفل وبناء برامج وأنشطة تحفّز تطوّره. فيما يلي خمس أسباب تدفعك للاهتمام بعلم الأعصاب في مرحلة الطفولة المبكرة وتفسّر التوجهات الحديثة لدراسة تطور الدماغ المبكر وعملية التعلم من منظور علم الأعصاب
مرحلة الطفولة المبكرة مرحلة حاسمة في حياة الطفل
حسب تقرير منظمة Unicef فإن مرحلة الطفولة المبكرة مرحلة مهمة لنمو الطفل المعرفي والاجتماعي، والعاطفي، والجسدي. يتمتع دماغ الطفل خلال الطفولة بالمرونة، ويتفاعل بإيجابية مع مقدم الرعاية ومحفزات البيئة من حوله.² للسنوات الأولى، والتجارب المبكرة دور فعّال في تشكيل شخصية الطفل، وأفكاره، ومستوى نجاحه في وقت لاحق من الحياة، تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين لديهم تجارب جيدة، وخبرات مثرية، وعلاقات اجتماعية آمنة في مرحلة الطفولة، هم أكثر قدرة على تحقيق الأهداف، والنجاح في الحياة.³
ينمو 90% من دماغ الطفل في أول ست سنوات
نعم، يثبت علم الأعصاب بأن دماغ الطفل ينمو بشكل هائل في السنوات الست الأولى ويتطور أكثر من أي وقت آخر في الحياة ⁴، يستعد دماغ الطفل في السنوات الأولى لبناء وتعلّم المهارات اللازمة لأداء المهام عالية المستوى في المستقبل. من هذا المنظور يؤكد علم الأعصاب بأن السنوات المبكرة هي أفضل فرصة لإشراك الطفل بأنشطة حسية وتعليمية مثل اللعب بالرمل والمعجون وألعاب التركيب وقراءة القصص والكتب التفاعلية، وإشباعه بالحب والتقبل وتعزيز نمو دماغه ليكون بالغًا سليمًا وناجحًا في سنوات حياته اللاحقة، وأن الإيمان بالدراسات العلمية وجعلها ممارسات عملية تطبيقية يمكنها أن تسدّ الفجوة في فهمنا لخصائص نمو الطفل وطبيعة سلوكياته في السنوات الأولى وتمكننا من تشكيل علاقة ناجحة وفعّالة معه لتساعده على تحقيق أعلى وأقصى قدراته وإمكانياته
تدعم الدراسات العلمية نمو الطفل وتبرهن قدرة الآباء ومقدمي الرعاية في التأثير بالأطفال أيًا كان مستواهم وقدراتهم من خلال فهم أدمغتهم، والإيمان بأثر العاطفة والمشاعر الإيجابية على شغفهم للتعلم
تشكل الخلايا العصبية لوحة فنية مدهشة في دماغ الطفل
لدى دماغ الطفل نحو 86 مليار خلية عصبيّة ⁵، لكن ما يجعل الدماغ يعمل ويتفاعل هي الروابط والاتصالات والتشابكات بين الخلايا العصبية. للسنوات الأولى و خبرات الطفل المبكرة دور كبير في تشابك واتصال الخلايا، حيث يتكوّن لديه أكثر من مليون اتصال عصبي جديد في كل ثانية، وتعد هذه التشابكات الأساس الذي نعتمد عليه اليوم كأفراد في التعلم والسلوك.⁶ وهذا ما يجعل علم الأعصاب رائعًا، فهو يقدم طرق عملية وواضحة لتحفيز الاتصالات والتشابكات بين الخلايا العصبية في دماغ الطفل، وذلك من خلال تجارب الطفل اليومية، وتفاعلاته الإيجابية مع مقدم الرعاية والأنشطة الحسّية والتعليمية التي يتفاعل بها مع العالم من حوله
علم الأعصاب جسر بين الطفل وحياة سليمة وواعية
يساعدنا علم الأعصاب في فهم دماغ الطفل، يقدم تصورًا عن ما يحدث في الدماغ خلال تعلم الطفل ونشاطه، ويثبت لمقدمي الرعاية والمعلمين بأن التفكير في نموذج واحد للتعليم يناسب كافة الأطفال هو تفكير خاطئ، بل تدعم الدراسات العلمية نمو الطفل وتبرهن قدرة الوالدين ومقدمي الرعاية على التأثير بالأطفال أيًا كان مستواهم وقدراتهم من خلال فهم أدمغتهم، والإيمان بأثر العاطفة والمشاعر الإيجابية على شغفهم للتعلم، تؤكد دراسات تطور الدماغ المبكر وعلم الأعصاب بأن العاطفة سمة من سمات تعلم الطفل وعنصر هام في خبراته المبكرة، والانطلاق منها للتواصل مع الطفل والتفاعل معه يمكنه أن يعزز نموّه ويطوّر من مهاراته الاجتماعية، الانفعالية والمعرفية وهذا بدوره ينعكس على مستقبل آمن مشرق للطفل، لا يخلو من المصاعب، لكنه مستقبل متمكّن به الطفل بمهارات لمواجهة الصعاب وحل المشكلات، وعلى جانبٍ آخر تثبت الدراسات العلمية أن إهمال الطفل واستخدام العنف الجسدي والنفسي معه يؤثر على شكل الدماغ ويضعف روابط الخلايا العصبية ويؤثر على سلوكياته في السنوات المبكرة واللاحقة
يقدم لك علم الأعصاب مفاتيح عمليّة وتربوية
عند فهم وتطبيق مقدمي الرعاية لدراسات علم الأعصاب والعمل بها كممارسات عملية واتجاهات تربوية ستساعدهم خلال رحلتهم في تعليم وتربية الطفل، تقدم علوم الأعصاب وتطور الدماغ المبكر مع فهم خصائص نمو الطفل أساليب وطرق تربوية وتعليمية، ترشد المعلمين بما يمكنهم فعله وما عليهم تجنبه، وتجعلهم يدركون أسباب سلوكيات الطفل غير الصحيحة. كما توجّه الوالدين والمربين لاتخاذ قرارات سليمة وصحيحة واتّباع برامج وأنشطة تدعم تطور الطفل وتُحدِث أثر في مستقبله
فمثلًا عند معرفتك بأن للنشاط الحركي واللعب تأثيرًا إيجابيًا على دماغ طفلك، فهو يحفّز تكوين خلايا عصبية جديدة وينعش الدماغ بالمزيد من الأكسجين، هذا يجعلك تحب أن يلعب طفلك ويلهو ويتحرّك، لا أن تشعر بأن الحركة سلوك سلبي وتصفّه بالمشاغب. إذًا علم الأعصاب يصحّح الأنماط الشائعة غير الصحيحة عن دور المربين والمعلمين في حياة الأطفال
يؤمن علماء الأعصاب بأن الناس هم ما تفعله أدمغتهم، وأن علم الأعصاب غيّر الطريقة التي يُفهم فيها الطفل. لعلّك تُدرك الآن حجم مسؤوليتك في التعلّم والإيمان بأهمية مرحلة الطفولة المبكرة ومفاهيم علم الأعصاب، ومقدار الأثر الإيجابي الذي يمكن لتفاعلك وتعاطفك مع الطفل إحداثه في حياته
Share On: